محمد سواعد- ابن الحميرة
بعد مسيرة ثلاثين يوما مع رمضان ومع أبواب العبادة المختلفة فيه فلا بد وأن يترك هذا الضيف أثرا عميقا في النفوس، وما رمضان إلا دورة تدريبية إجبارية لكل الأمة في وقت واحد حتى تتربى الأمة الإسلامية على نفس الأخلاقيات والقيم التي جاء بها الإسلام لاستقامة الفرد وصلاحه في الدنيا والآخرة ولضمان استقامة الأمة جميعا على منهاج ودستور رباني يحترم الإنسان ويقدر ظروفه ويراعي الفروق بين الناس، لذا كان لزاما علينا أن نعيش رمضان ونحن نقطف من ثماره التي تغذي الأرواح قبل القلوب، والمحروم من مر عليه رمضان في أعوام مختلفة ثم لم يعتبر ولم يتعلم المقصود من رمضان، وربما يرجع الأمر إلى فهم الناس وثقافتهم وتفاوت هممهم علوا وانحطاطا، فأصحاب الهمم الضعيفة ينظرون إلى رمضان أنه حرمان من الشهوات، بينما العظماء ينظرون الى هذا الضيف أنه سياحة في منازل الجنات ويتزودون من رمضان لسائر عامهم كله.
رمضان يأتي كل عام فيقبل وعلى النفوس جلال وبهاء وهيبة لقدومه ويرحل وفي القلوب والأرواح حسرة على رحيله لما أسبغ علينا من الرحمات والنفحات الربانية التي تبدد الأحزان وتنثر عبير السعادة على القلوب وتجدد ربيع الحياة في أرواح العباد، ولكن المؤمن يدرك أن رمضان وإن رحل إلا أن ما بقي معنا من خيرات رمضان وتربيته يكفينا عاما كاملا حتى نلقى رمضان في قابل الأعوام.
العاقل من يتعظ بكل ما يجري حوله ويتعلم من كل رفقة طالت أو قصرت كما قال الإمام الشافعي: “إنَّ الحُرَّ مَن راعى وداد لحظَةٍ، وانتمى لمَن أفاده لفظَةً”، فالإنسان الحر يغتنم كل لحظة ولو قصرت للإفادة في أبواب الخير في دينه ودنياه، فعجبا لمن لم يتعلم من رمضان أو يتزود منه دروس الاجتهاد في العبادة والطاعة وبر الناس وحسن معاملتهم كما حثت أخلاقيات رمضان، فرمضان لم يأت جوعا أو عطشا أو حرمانا من شهوة بقدر ما هو ارتفاع في المنسوب الإيماني والمستوى الأخلاقي للفرد والأمة، فرسالة الإسلام جاءت ببعد روحاني فردي ينسجم مع الروح الجماعية التي يراد تحقيقها في حياة المجتمع، وشعار هذه الرسالة الخالدة: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) الأنبياء، 107، وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ) رواه أحمد.
ونحن نشهد اليوم أن الدول أو المنظمات تبتعث موظفيها لدورات تدريبية مكثفة حتى يتدربوا للقيام والنهوض بما يكلفون به، وكذا رمضان ليس أكثر من دورة تدريبية مكثفة لكل أبناء الأمة الإسلامية فينبغي لهذه الدورة التي تستمر شهرا كاملا في عبادات متواصلة ليلا ونهارا أن يظهر أثرهه في سلوكنا وأخلاقنا وتعاملاتنا كما أن الحبل بتكراره في الصخرة الصّماء قد أثّرا، فيجب أن تثمر فينا رفقة رمضان في كل مناحي حياتنا، أم أن قلوبنا وعقولنا باتت أشد قسوة من الصخر لا يؤثر فيها كلام ولا ينفع معها وعظ ولا إرشاد.
Leave a Reply