بقلم : نايف زيداني – طمرة *
.
لم تعد الكورونا هي ما يخيفنا، وإنما اسقاطاتها وتبعاتها. فيما سينهض صغيري ابن الصف الأول ليجهّز نفسه للخروج الى المجهول في المدرسة، سيبقى اخوته نائمين أو لربما مستيقظين لكن بملابس البيت، دون ان يعطيهم الاب او الأم كمامات ومعقمات، دون تعليمات كثيرة، لا تلمس ، لا تقترب، ولاءات كثيرة أخرى ، ستنهال على الصغير، ستشعره بالغربة حتى قبل خروجه من البيت، ستشعره بأنه ذاهب الى “حرب” أو سجن ، الى عالم غريب يكون فيه محاطا بالأوامر، لا يملك من نفسه شيئا. سيشعر صغيري أيضا أن القبلات والعناق هذه المرة مختلفة أيضًا، ليست كأيام المدرسة العادية.
سيدخل ابني من البوابة الى جدران ظن انه عرفها من قبل لكنه سيجد كل شيء اختلف، مقيَد كسجين في بقعة معينة لا يستطيع التحرك الا في نطاقها، سيرى صديقه او ابن صفه، سيشعر بصرخة في داخله، بشيء يدفعه نحو الهرولة باتجاهه، لكنه سيجد نفسه مقيدا، مختنقا لا يستطيع الوصول الى زميله، قد يشعر بغصة ، قد يذرف دمعا، قد يحبس حزنه.
طفلي سيجد نفسه في عالم غريب في المدرسة لم يعتد عليه، ستزيد غرفة صفه غربته، مقاعد فارغة، اين صديقي المقرب؟ اين من العب معه في الاستراحات؟ لماذا انا هنا والكثير من أبناء صفي ليسوا معي؟ لماذا معلمتي ليست هنا؟ أليست هي امي ومربيتي؟
طفلي سيجد نفسه في عالم غريب في المدرسة لم يعتد عليه، ستزيد غرفة صفه غربته، مقاعد فارغة، اين صديقي المقرب؟ اين من العب معه في الاستراحات؟ لماذا انا هنا والكثير من أبناء صفي ليسوا معي؟ لماذا معلمتي ليست هنا؟ أليست هي امي ومربيتي؟ أليست صمام أماني وحارستي وملاكي؟ لماذا هي ليست معي الآن ومن تكون هذه الوجوه الجديدة؟ من هؤلاء؟ اين انا؟ لدي رغبة في البكاء، لكن حتى معلمتي هذه لن تستطيع ضمي ولا التربيت على كتفي ، اخبروني ان كل شيء ممنوع…
ماذا فعلت مؤسساتنا وهيئاتنا لتحضير الطلاب نفسيا؟
كما اسلفت ، ليست الكورونا ما يخيفني (انا شخصيا نايف زيداني) اليوم، وإنما حجم الاعداد النفسي لأطفالنا وحتى لمعلمينا. فمن ينتظرون طفلي في المدرسة لن يكونوا أقل شعورا بالغربة، فالمعلمون بدورهم يعيشون حالة ارتباك وعدم يقين، حيال الواقع الجديد وكثرة الأوامر والتعليمات المقرونة بضغط كبير وتحديات غير مألوفة، عين على الأطفال المتواجدين في البيت وآخرين ارسلتهم الى مدارسهم وعين على أولاد في المدرسة التي أعلّم بها، وعين على شاشة الحاسوب والتعليم عن بعد الذي سأعود الى بيتي لتنفيذه رغم تواجدي قبل ذلك في المدرسة.
بالعودة الى الطلاب، من قام بتهيئتهم نفسيا؟ على اقل تقدير “زوم” عن بعد مع اخصائيين نفسيين واجتماعيين يعزز شخصيتهم ويبدد ولو القليل من مخاوفهم؟ الجواب قطعا لا أحد. لا احد وضع نفسه في مكان طفل صغير ودخل الى نفسيته التي تفيض بالمخاوف.
رغم أهمية التعليم، رغم ايماني بأهمية العودة، لكن إما أن تكون عودة للجميع أو لا عودة للجميع، فحتى في الظروف الصعبة، أن أكون جزءا من القطيع، من الجميع، يكسبني أمانا وسلاما داخليا أكثر من أن اجد نفسي سائرا وحدي نحو المجهول.
“فأري” الصغير لن يذهب الى المختبر وحده يوم الاحد..
* نايف زيداني صحافي من مدينة طمرة
Leave a Reply