زوفة
ولد في منطقة الحيدر خانة في بغداد يتيمًا، لأم ضريرة تسكن في غرفة متواضعة جدا مع شقيقتها. بمنتهى الصعوبة استطاع أن يكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة، في المدرسة المأمونية، وكان الفقر ملازمًا له، وزاد الفقر حدة بعد وفاة والدته، ورعاية خالته لها، وهي التي كانت تستلم راتبا لايتجاوز الدينار ونصف الدينار. وبعد تردد طويل التحق بمعهد الفنون الجميلة قسم المسرح، ليحتضنه فيه فنان العراق الكبير حقي الشبلي نجم المسرح وقتها، حين رأى فيه ممثلا واعدا يمتلك القدرة على أن يكون نجما مسرحيا، لكن الظروف المادية القاسية التي جعلته يتردد كثيرا في الالتحاق بالمعهد نجحت في إبعاده عنه، ليعمل مراقبا في مشروع الطحين بأمانة العاصمة.
أبعدته الظروف عن المعهد، لكنها لم تمنعه من الاستمرار في قراءة كل ماتقع عليه يداه، والاستماع إلى المقام العراقي المعروف بسلمه الموسيقي العربي الأصيل، كما كان يستمع أيضا إلى أم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وأسمهان وليلى مراد ونجاة علي، وكانت أغنياتهم وقتها تملأ الأسماع في مناخ كان يدعو كلا منهم إلى الاجتهاد والإجادة لإمتاع متذوقي الطرب، ولجعل ناظم يتعلق أكثر فأكثر بالغناء ويحفظ أغنياتهم عن ظهر قلب، ليكتشف ويكتشف المحيطون به أن هناك موهبة غنائية لن تكرر في حنجرة مراقب مشروع الطحين. هذه الفترة، أكسبته طموحا غير محدود وعنادا وإصرارا على إكمال الطريق الذي اختاره رغم الصعاب المالية والنفسية، التي واجهته، وجعلته حين يعود للمعهد يبذل قصارى جهده ليحصل على أعلى الدرجات. أما قراءاته فجعلته يمتاز عن زملائه بثقافته، تلك الثقافة التي ظهرت عام 1952 حين بدأ ينشر سلسلة من المقالات في مجلة “النديم” تحت عنوان “أشهر المغنين العرب”، وظهرت أيضا في كتابه “طبقات العازفين والموسيقيين من سنة 1900 ـ 1962″، كما ميزه حفظه السريع وتقليده كل الأصوات والشخصيات، وجعلته طوال حياته حتى في أحلك الظروف لايتخلى عن بديهته الحاضرة ونكتته السريعة، وأناقته الشديدة حتى في الأيام التي كان يعاني فيها من الفقر المدقع.
كان زواج الغزالي من سليمة مراد من الزيجات المثيرة للجدل، فالبعض يقولون أن قصة حب ربطت بين الفنانين على الرغم من فارق السن بينهما، أما البعض الآخر فكانوا يقولون أن سليمة مراد تكبر الغزالي ربما بعشر سنوات أو أكثر، وأن الغزالي كان بحاجة إلى دفعة معنوية في بداية طريق الشهرة. المعروف أن سليمة مراد باشا (هكذا كانت تلقب أيام الباشوية)، إذ أصبحت مغنية الباشوات وكانت أستاذة في فن الغناء، باعتراف النقاد والفنانين جميعاً في ذلك الوقت، تعلم الغزالي على يدها الكثير من المقامات، وكانا في كثير من الأحيان يقومان بإحياء حفلات مشتركة، يؤديان فيها بعض الوصلات فردية وأخرى ثنائية. تم الزواج عام 1953، وخلال عشر سنوات تعاونا على حفظ المقامات والأغنيات. وفي عام 1958 قاما بإحياء حفل غنائي جماهيري كبير، فتح آفاقاً واسعة لهما إلى خارج حدود العراق فكانت بعدها حفلات في لندن وباريس وبيروت.
قبل وفاته سافر إلى بيروت، وأقام فيها 35 حفلاً، وسجل العديد من الأغاني للتلفزيون اللبناني، ثم إلى الكويت، وسجل قرابة عشرين حفلة بين التلفزيون والحفلات الرسمية. وفي العام نفسه أجتهد وبذل جهدا كبيرا ليتمكن بسرعة أن ينتهي من تصوير دوره في فيلم “مرحبا أيها الحب” مع المطربة نجاح سلام، وغنى فيه أغنية “يا أم العيون السود”. هناك رواية أنه أفاق في صباح 23 أكتوبر 1963 وطلب قدحاً من الماء الساخن لحلاقة ذقنه، لكنه سقط مغشياً، وبعدها فارق الحياة، في الساعة الثالثة ظهرا. كسرت إذاعة بغداد القاعدة، وقطعت إرسالها لتعلن الخبر الذي امتد تأثيره ليصيب العالم العربي كله بحزن بالغ، كان قطع البث الإذاعي يلازمه دائما إعلان “البيان الأول” لأحد الانقلابات العسكرية، ولم يكن قد مر سوى 7 أشهر على انقلاب فبراير، لكن هذه المرة اختلف الوضع واستمع من تعلقت آذانهم بجهاز الراديو إلى الخبر الذي أحدث انقلابا في نفوسهم، وأبكاهم طويلا، “مات ناظم الغزالي”.
Leave a Reply