معين سواعد
قد نكون أصدقاء حميمين متحابين، وما إن نختلف في وجهة نظر حتى تزول الصداقة وتتبدل إلى خصام، ويصبح الحبيب عدوًا، والأخ القريب غريبًا، هذا حال الكثير اليوم فإن لم تكن معي فأنت ضدي، إن لم تحارب معي فأنت ضدي، إن كان رأيك مغايرًا لرأيي فأنت ضدي، إن قلت ما لا يعجبني فأنت ضدي، إن كنت تحب البرتقال وأنا أحب التفاح فأنت ضدي، إن لم تحب اللون الأخضر مثلي فأنت ضدي، إن كنت ريالي وأنا برشلوني فأنت ضدي…
لماذا هذا الفكر ولماذا تشوهت أفكارنا وتبدلت قيمنا وتغيرت مبادئنا؟ متى كنا هكذا؟ لماذا لا يتقبل أحدنا الآخر؟ الكل يريد الانفراد برأيه وكأن البشر لا شيء، كأنهم دود على عود.
التسلط الفكري ليس داعشيًا فحسب، فالكثير من حولنا دواعش، وإن اختلفوا مع داعش في طريقة العقاب، ولو سنحت لهم الفرصة لأخرجوا الداعش الذي بداخلهم ولتفننوا في فرض فكرهم ومعتقداتهم .
الاستبداد والظلم ليس فرعونيًا فحسب، فكم من فرعون بيننا! كم من طاغية ظلم وتكبر، وكم من مسؤول بدأ بتصفية حسابه مع كل من عارضوه!
يؤسفني أن أرى التشدد والتكبر من أناس كنا نظنهم قدوة لنا، فحينما ترى كبير قوم يحرض على كل من خالفه الرأي تشعر بشعور مقزز! فما أصعب أن تتلقى الصفعة من شخص ظننته المدافعَ عنك وعن مبادئك! كم من شخص قمعَ أفكار النشء بتحطيم معنوياتهم وسلب حرياتهم والسيطرة على أفكارهم!
إن لم تكن معي فأنت ضدي، سياسة البعض اليوم وكأننا نعيش في الجاهلية، فإن لم تعلن موقفك الداعم لموقفي فأنت ضدي، ولا يقبل أن تكون على حياد، كما كان «ابن عباد»، إن لم تخاصم جاري الذي أخاصمه فأنت وهو في العداء سواء، إن لم تهجر بيت فلان الذي أهجره وتقاطعه ولا تشركه أفراحه وأتراحه فأنت ضدي.
إن وافقتَهم آراءهم وإن كانت خاطئة فأنت قديس بينهم لك كل الاحترام والود، وإن خالفتَهم أهواءهم فأنت لعين إبليس تعيس خسيس.
إن البعض ممن يؤمن بمبدأ «إن لم تكن معي فأنت ضدي» لا يفرّق بين الفكرة التي يؤمن بها وبين شخصيته، فمن يعارض فكرته يعارض شخصيته، وكأنه يطعن بالشخصية لا بالفكرة. هؤلاء يجب أن يفهموا بأن الشخصية شيء والفكرة شيء آخر.
أنت معي فأنت قديس، أنت ضدي فأنت ابليس!
نعم، هكذا يتعامل البعض وهكذا سياستهم، فإن وافقتَهم آراءهم وإن كانت خاطئة فأنت قديس بينهم لك كل الاحترام والود، وإن خالفتَهم أهواءهم فأنت لعين إبليس تعيس خسيس.
إن البعض ممن يؤمن بمبدأ «إن لم تكن معي فأنت ضدي» لا يفرّق بين الفكرة التي يؤمن بها وبين شخصيته، فمن يعارض فكرته يعارض شخصيته، وكأنه يطعن بالشخصية لا بالفكرة. هؤلاء يجب أن يفهموا بأن الشخصية شيء والفكرة شيء آخر. فالخليفة عمر بن الخطاب كان من أشد أعداء الاسلام، وبعد أن هداه الله تغيرت أفكاره وتبدلت مبادؤه، حتى أصبح أول من يدافع عن الإسلام.
ليتنا نتبنى لغة الحوار ونتقبّل الآخر وننظر نظرة شمولية للأمور، فما بالنا نتقوقع في أفكارنا المسبقة ولا نقبل أن نتحاور؟ وكأن الفكرة التي نؤمن بها مُنزلة من السماء!
أصبحنا نخوّن بعضنا البعض، وأصبح الواحد منا يكفر الآخر، وكأننا نملك صكوك الغفران نُدخل ذلك إلى الجنة وذلك إلى النار.
على الصعيد المحلي كمواطن في مدينتي الحبيبة شفاعمرو، أتذكر محاضرة ألقاها علينا المفكر إلياس جبور، حيث قال فيها: «عندما كنت طفلًا صغيرًا دخل المدينة رجل من خارج المدينة فسأل عن جيران للسيد إلياس جبور من أي ديانة هم، فقالت جدته إنها لا تعلم، وهي حقيقة لا تعلم، كل ما تعلمه عن جيرانها أنهم شفاعمريون، وأنهم جيران متحابون يسكنون في بيت واحد وهو شفاعمرو».
ليست شفاعمرو وحدها التي كانت بيتًا واحدًا وعائلة واحدة، أنا على يقين أن بلداتنا كانت هكذا يتمثل بها قول الرسول – صلى الله عليه وسلم: «إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
ما يزعجني ويغضبني أننا أصبحنا نتعامل مع بعضنا البعض وفقًا لأفكارنا ومبادئنا وانتماءاتنا السياسية والحزبية، فإن كنت في حزبي فأنت حبيبي، وإن كنت في حزب آخر فأنت بغيضي.
أن تقول رأيك وأقول رأيي فهذه تسمى «حريّة رأي»، وأن تقول رأيك ولا تريد أن تستمع آراء غيرك فهذا يسمى «ضيق أفق»!
وأن تقول رأيك وتمنع الآخرين من قول آرائهم فهذه «دكتاتورية» وطمس للحريات!
ولكن، أن تقول رأيك وتعتدي على من يعبّر عن رأيه فهذه جريمة وإرهاب ونقص في العقل، كونك وضعت نفسك في موضع «المقدّس» الذي لا يجوز تخطئته، يمنح من يوافقه الجنة ومن يخالفه النار!
إن فن الخطاب وفن تقبل الآخر والاحترام المتبادل لا يتقنه الجميع، مع أنه ليس بحاجة لمجهود، ما علينا إلا أن نتواضع ونَحترم لنُحترم، فالنقاش فن وأدب.
أين نحن من أخلاق الرسول – صلى الله عليه و سلم؟
يلعب مع الصغير، يحترم الكبير، يعطف على الفقير، يرحم الضعيف، ينصر المظلوم،
ويناقش الناس ويستشير أصحابه ويستمع لأفكارهم، «رغم أنه لا ينطق عن الهوى» ومؤيَّد من السماء، إلا أنّه معلم الإنسانية الأول.
لماذا الاستبداد بالرأي؟؟؟
فأنا وأنت بشر نخطئ ونصيب، لست الوحيد الذي يستطيع التمييز بين الصواب والخطأ!
«اترك للغير الفرصة ليشرح ما يعتقده، فإذا أخطأ وضّح له خطأه، وإذا رفض اترك له الخيار ليتعلم الصواب».
عندما لا تفهم ما أريد، فلا تفسر ما تريد، فلا تحكم عليّ بالنوايا، فما ذنبي إن كانت نيتك غير نيتي؟ وما ذنبي إن كنت ترى ما لا أراه؟
لنَرْتَقِ بأفكارنا ونسمع لغيرنا، فالله – تعالى – خلقنا شعوبًا وقبائل لنتعارف لا لنتباغض ونتشاجر…
فلولا اختلاف الآراء لبارت السلع!
الله يعطيك العافيه سؤال بعيد عن الموظوع شو تعرف عن علي الحسن
كل ما قلته صحيح ويعبر عن الكثيرين في مجتمعنا إلا من رحم ربي…..ولكن لا تنسى يا عزيزي وأنت تعرف إني اعزك واحبك في الله أن الفكر الصحيح والحقيقي هو نتاج حوار بناء لا جدال لمجرد الجدال وإظهار النفس