عجائب وغرائب-قصات الشعر

موسى حجيرات
عجبًا، لأبٍ يصطحب أولاده الصّغار إلى الحلّاق ويقول له: “قصّة ميسي كات”، فيعرض عليه الحلّاق: “قصّات أندركوت، أو سليكد لوك”، ولكنّه يصرّ على قصّة “ميسي كات” لفلذات كبده. وهو مسلم ملتزم بالصّلاة في المسجد، خاصّة البردين، وقد حجّ العام الماضي، وفخور باللقب الذي حصل عليه خلال أربعة وعشرين يومًا، ذهابًا وإيابًا، إلى أرض الحجاز.عجبًا، لهذا الوالد المربّي، الواعي، الفاهم، المدرك لأمور الدّنيا، دينًا وخلقًا، ويفترض أن يعرف حكم قصّ الشّعر، إطالةً وقصًّا، وخاصّة الغريب من القصّات والمستورد منها، إذ نحن في عصر العولمة، ونحن مع العالم في قرية صغيرة يعرف الكلّ الكلّ. كما يفترض أن يعرف سلبيّات القصّات الغربيّة الغريبة من ناحية الدّين، والعرف العربي، والأخلاق النّبيلة.فمن النّاحية الدّينيّة:
أ‌. فاستيراد القصّات الغربيّة الغريبة هو تشبّه بأهل الكفر، وهذا منهي عنه، فالرّسول صلى الله عليه وسلم يقول: “مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ” (أبو داود، كتاب اللباس: 3512)،  وحتّى أنّ هذا التّقليد والتّشبّه هو تشبّه خسيس، وبصفة تنافي الأشكال المألوفة لذكورنا، كبارًا وصغارًا.
ب‌. ثمّ إنّ الاهتمام بالشّعر هو اهتمام بأمر لا يقدّم ولا يؤخّر، لا في الهيبة والقدر، ولا الدّين والأجر، أو في القرب أو البعد من الآخرين لذا فمضيعة للوقت، وهدر للجهود.
ت‌. كلّ القصّات الغربيّة الغريبة هي شاكلة القزع المنهي عنه دينيًّا. والقزع هو “حَلقُ بَعضِ الرَّأْسِ” فقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه قال: “نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْقَزَعِ” (النووي، المجموع: 1/347).
ث‌. أمّا تشبّه النّشء الصّغار بـ”نجوم الفن والرّياضة” هو تشبّه بالعصاة، وذلك أمر يرد تحت الأمور المنهيّ عنها لكراهتها حتّى تصل إلى التحريم، أحيانًا. أليس من العجب أن نتشبّه بمن يعصي الله والرّسول جهارًا نهارًا، ونحن نعرف ذلك وندّعي حبّ الله ورسوله؟ ثمّ أليس أعجب من ذلك المقارنة بين الأمرين: أنترك حبّ الله والرّسول ونسخطه في تقليدنا من يعصاه والتّشبّه بمن يكفر به؟
ج‌. أمّا من حيث المنظر الخارجي لأصحاب القصّات الغربيّة الغريبة فهو تشويه للخَلق السّوي. فمن القصّات ما هو تشبّه بالحيوانات، مثلًا، أو العقارب، والأفاعي، ومنها مجرّد خطوط متوازية، أو متقاطعة، أو رموز لا يفقه معناها، ومنها يكون لعبدة الشّيطان، مثلًا، أو للآلهة في معتقدات أخرى. والأعجب هنا كيف يقلد أحدهم الحيوان الذي هو أدنى منه قدرًا، مع أنّه خلق الله، لكن فضّل الله الإنسان عليه، وعلى كلّ مخلوقاته الأخرى، وجعل خلق الإنسان في أحسن تقويم. أيدع الخلق الأحسن ويتشبّه بالحيوان؟
ح‌. عجبًا، إنّ عمليّة التّقليد الأعمى نفسها منهيّ عنها، أيضًا، لأنّها توصل المرء المسلم أن يكون إمّعة، لا قيمة له، يقلد غيره دون وعي منه. فقد ورد عن الرّسول صلى الله عليه وسلم في حديث ضعيف الإسناد صحيح المعنى أنّه قال: ” لا تَكونوا إِمَّعَة، تَقولونَ: إِنْ أَحسَنَ النَّاسُ أَحسَنَّا، وَإِن ظَلموا ظلمنا، وَلكِن وَطِنوا أَنفُسَكُم، إِن أَحسَنَ النَّاسُ أَن تُحسِنوا، وإِن أَساءُوا فلا تظلِموا” (الترمذي: 2007). وهذا أمر واضح وبيّن.
ثمّ الأعجب هنا: أيرضى المسلم أن ينقاد كما تقاد البهيمة، ويتبع الآخرين دون وعي منه، أو اعتراض. والشّيخ ابن عثيمين يقول: “ينبغي للمسلم ألا يكون إمَّعَةً يتبع كلَّ ناعق، بل ينبغي أن يُكَوِّن شخصيته بمقتضى شريعة الله تعالى حتّى يكون متبوعًا لا تابعًا، وحتّى يكون أسوة لا متأسيّا”.ومن نواحٍ أخرى فالعجب العجاب أنّ الكلّ يعرف، ويدرك أنّ التّشبّه بالنّاقص وغير السّوي مكروه أخلاقيًّا، ودلالة على نقص وعيب. فالغريب أن يقلد المرء غيره ويدّعي أنّه لا يحبّه حين يُقال ” المرء مع من أحبّ”، إذ التّقليد تعبير عن الحبّ والتّقدير حتّى في اللاوعي النّفسي لدى الإنسان ولا ينكر ذلك أحد.أمّا القصّات الغربيّة الغريبة فهي قصّات مستفزّة وخارجة عن نطاق المألوف، فالمنطق يفرض مراعاة العرف المحلي إذ دائمًا، يقال “الإنسان ابن بيئته ومجتمعه”، وهكذا فالمقلد للغرب شاذّ وغريب عن واقعه وواقع مجتمعه.ومن ناحية اجتماعيّة فالتّقليد الجماعي بهذه الحالة التي فيها السّيادة للغرب، وقيمه، ومعاييره، وما عدا ذلك ضعف، وتخلف، ورجعيّة. هذا التّقليد هو تقليد المغلوب للغالب وهذا كما قال ابن خلدون يؤدّي للتّماهي وضياع الهويّة الاجتماعيّة.كما أنّ القصّات الغربيّة الغريبة هي تعبير، كما قيل، عن ثقافة الشّذوذ، وهذه منهيّ عنها كالنّهي عن اللواط والسّحاق. ومن ناحية نفسيّة فالإصرار على الاختلاف هو عارض لمرض نفسي، وحالة غير طبيعيّة لذلك فهذا المقلد الذي يقص شعر رأسه، أو يقصّ شعر أبنائه بهذه القصّات هو مريض نفسي، ويجب رعايته والاهتمام به.فاليوم، بات الكلّ يعرف العولمة والحداثة والتّقنيّات الحديثة التي تنقل ببثّ مباشر من أصقاع الأرض المختلفة، ومن مناطق العالم المتعدّدة مهما بعدت ومهما اختلفت ثقافاتها وحضاراتها. فلو قلدنا الآخرين حتّى بقصّات شعورهم، ألسنا نضيّع خصوصيّاتنا؟ ومميّزاتنا التي تجعل منا فئة اجتماعيّة لها خصوصيّاتها الاجتماعيّة؟فقاصّ شعره قصّات غربيّة غريبة، وقاصّ شعر أبنائه هو إمّعة، مستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وهو عاص لله ورسوله، ومتشبّه بمن يعصيهم، وهو كافر بنعمه الذي خلقه في أحسن تقويم، وفضله على كافّة مخلوقاته.اليس من يعرف ذلك ويتمادى ويستمرّ في الخطأ هو مصّر على معصية، وهذا ما يثير عجب كلّ عاقل ومدرك؟
 

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.