عجائب وغرائب.. اتقوا الله وعودوا

موسى حجيرات
عجبًا لمن يرى آيات الكتاب تتحقّق، والإعجاز القرآني يتحقّق، ولا يعتبر، ولا يصدّق بما أنزل الله، بل لا يؤمن إيمانًا صادقًا، ويعتقد يقينًا أنّه الله لا إله إلا هو مسيّر الكون، ومحكّم الآيات، وهو على كلّ شيء قدير.
فقبل قرون مضت أنزل الله قرآنًا يتلى إلى يوم الدّين، فيه تحذير وإنذار، فيه “ملاقيكم”، “ملاقيكم”، قيل: “من؟”. قال: “قُلْ إِنَّ المَوْتَ الذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ” (الجمعة: 8).
عجبًا لمن يرى البرهان تلو البرهان، والبيان تلو البيان، والكلّ المؤكّد، المثبت لآيات الله تتحقّق ولا يؤمن، ولا يعتبر، ولا يرتجع، ولا يعيد حساباته، ولا يقف وقفة المؤنّبه ضميره معتبرًا، ويصرخ: “قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ” (آل عمران: 95).
عجبًا لمن اعتقدوا دائمًا إنّ أمثلة القرآن بعيدة عن النّفوس، فهي قديمة ولا نعيشها لذا فتأثيرها فينا قليل، وينسى أنّنا في كلّ يوم نصادف مثالًا ربّانيًّا على شاكلة أمثلة القرآن.
عجبًا… لمن يسمع قصّة محمّد الحاج علي التي تداولتها وسائل الإعلام العالميّة قبل فترة ولم يقف ويصرخ: “والله لو نجا من الموت أحد لنجا منه محمّد الحاج علي”.
ألم يقضِ الموت على فرعون مصر، المتعجرف، المتغطرس الذي يقول : “أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى” (النّازعات: 24).
ألم يقضِ الموت على النّمرود الذي تحدّى الله بقوله: “قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ” (البقرة: 258).
ألم يقضِ الموت على جبابرة العصور الأولى، ومن أُمهل منهم عرف أن لا جدوى من مناجزة الله.
عجبًا لمن يعرف أنّ محمّد الحاج علي وهو شاب سوري فرّ من الموت بشهادة أخيه عمر لوسائل الإعلام حين يقول: “فررنا من الموت في سوريّا وجئنا لنموت هنا”. حين أصبحت سوريّا ميدان الموت؛ فالنّظام يقتل، والمعارضة تقتل، والثّوار يقتلون، والإسلاميّون المتشدّدون يقتلون، وتنظيم الدّولة يقتل، والأمريكان يقتلون، والرّوس يقتلون، والمجاهدون من الدّول العربيّة والإسلاميّة يقتلون والسّوريون يموتون. ففرّ محمّد ولم ينج.
عجبًا لمن لم يعتبر بمشاهد السّوريّين الكثيرين الذين هجروا بلادهم، وبيوتهم، وأرضهم، ونزحوا بجماهيرهم فرارًا من الموت وإلى ملاذات أخرى آمنة بزعمهم حتّى دولة اليهود، والتي كانت بزعمهم دولة العدو فرّ إليها الكثيرون طلبًا للأمن والعلاج.
عجبًا لمن لم يعتبر بنزوح محمّد الحاج علي إلى بريطانيا-الدّولة العظمى-قمّة الرّقي والحضارة، بل قمّة القوّة والجبروت، وصل إليها محمّد وما لحقه الموت إلى هناك بل لقيه هناك.
أليس هذه عبرة ربانيّة، وإعجاز قرآني يتحقّق؟ فعجبًا… ألم يؤثّر في النّاس ذلك؟
ما سكن محمّد الطّابق الأرضي، فالموت أكثر مناليّة هناك، ولا يقوى على الصّعود، إنّما سكن في برج عال جدّا في الدّور الرّابع عشر. وكلّ وسائل الإعلام تناقلت الخبر وكنّوا مسكنه برجًا من أبراج لندن (برج غرينفيل المكوّن من 24 طابقا).
لم يقف الموت على أعتاب البرج، ونظر إلى محمّد وخاطبه كما خاطب الثّعلب العنب، وإنّما أدركه، فـ”أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ وَلوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ” (النّساء: 78).
باب غرفته كان مقفلًا، ولم يقف الموت خارجًا، ويسأل: أين المفتاح؟ ولم يجد، فيعجز، وينثني عن مهمّته، بل دخل من حيث لا يحتسب محمّد ولا يعلم إلا الله، وقبض محمّدًا إليه.
يخاطب محمّد عمر أخيه قائلا: “لِمَ تركتني؟
عجبًا… من ترك الآخر؟ تركه عمر في الغرفة، ولكن تركه محمّد في الدّنيا وذهب.
عجبًا… كلّ ذلك يحدث وليس من معتبر، وما الاعتبار بالموت إلا أنّ تعدّوا له العدّة، وما الاستعداد للموت إلا امتثال أمر الله “يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلمُونَ” (آل عمران: 102(.
فوالله إنّ الذي أدرك فرعون “الرّب الأعلى” بزعمه، والنّمرود “المحيي والمميت” بزعمه، والذي أدرك خالدًا بن الوليد على فرشه ومحمّدا صلى الله عليه وسلم بانتظاره ليدرككم أينما كنتم. فاتقوا الله وعودوا.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.