استقبال رمضان والاستعداد له

إسلامنا الحقيقي وشرعنا الحنيف يأمرنا بغير ذلك، بل يحثّنا على تجنّبه والابتعاد عنه. إذ ما يفعل في هذه الأيّام من استقبال واستعداد على الطّراز الحديث هو إهانة لرمضان وقيمه الدّينيّة والاجتماعيّة وتحجيمًا لفضائله


موسى حجيرات


ها هي أيّام قلائل ويحلّ رمضان. يحلّ رمضان الخير بمسمّياته فهو شهر الله، وشهر القرآن، وشهر الخيرات. ويحلّ بمميّزاته وصفاته فهو خير الشّهور، وفيه فرصة التّوبة، وهو منبع التّطوع وعمل الخير.
ما أسرع الزّمان ومروره، وربّما ذلك من دلائل قيام السّاعة؛ فبالأمس ودّعنا رمضان، حزنّنا على فراقه، ودعونا الله أن يبلغنا رمضان القادم. وها نحن اليوم نستقبله، فاستقباله شكليًّا، ماديّا واقتصاديًّا، دينيًّا، روحيّا ومعنويّا.
فكيف نستقبل رمضان في زماننا هذا حيث ضعف إيمان الكثيرين، وشاعت موضة تقليد الغرب بكلّ شيء، واستيراد عادات غربيّة غريبة، وعرف وقيم اجتماعيّة، وللأسف لم نأبه إن كان ما نقلد دينيّا، أو ماسّا بالدّين وقيمه، وبالشّرع وتعاليمه.
فيستقبل رمضان هذه الأيّام بالإضاءة في مداخل البيوت أو واجهاتها المطلة للشّوارع، وبكثرة الأنوار المتغيّرة المتبدّلة بأشكال وصور مختلفة وكثيرة، كأشكال الأهلة والنّجوم، حيث بات هذا الشّكل وكأنّه رمز من رموز الدّين والإسلام. ووالله ما هو الا بدعة ما أنزل الله بها من سلطان. بدعة مستحدثة دخيلة على ديننا ومجتمعنا. أليس بين هذه وبين إضاءة شجرة الميلاد الرّامزة للمسيحيّة والمسحيّين رابط قوي، وبينهما شبه كبير إن لم يكن الشّيء ذاته مفهومًا ومعنى.
كما ويُستقبل رمضان بالورود المزيّنة للمداخل والواجهات وكتابة اللافتات مع المضامين الرّمضانيّة، وتحضير إمساكيّات شهر رمضان للمحال التّجاريّة، والمصانع، والمطاعم، والمؤسّسات، إمّا ماديًّا؛ فيستقبل بتحضير الأطعمة، والأشربة، والحلويّات بأنواعها.
وتلفزيونيًّا يستقبل بتحضير المسلسلات الرّمضانيّة، والاستعداد لها، وانتظارها بلهفة وشوق. كما يخطّط للسّهر العبثي حتّى الصّباح حتّى يكاد يتبدّل الليل نهارًا والنّهار ليلًا.
ولكن إسلامنا الحقيقي وشرعنا الحنيف يأمرنا بغير ذلك، بل يحثّنا على تجنّبه والابتعاد عنه. إذ ما يفعل في هذه الأيّام من استقبال واستعداد على الطّراز الحديث هو إهانة لرمضان وقيم

د. موسى حجيرات

ه الدّينيّة والاجتماعيّة وتحجيمًا لفضائله، وتصغيرًا لفرصه الممنوحة لنا وإمكانيّاته الوفيرة.
كما أنّ استقبال رمضان والاستعداد له يعطيه اتجاهًا واضحًا بيّنًا وقيمة في نفوسنا، ونفوس أبنائنا ويعطي لذلك صورة واضحة لأبناء الدّيانات الأخرى القريبة منّا.
لذا فالواجب الاهتمام بالاستعداد لرمضان، وتطبيقه على أحسن صورة وشكل.
فعلينا أولا- التّبشير برمضان وقدومه احتفالًا به واحتفاءً بقدومه فهو ضيف عزيز، شريف، وتعريف الآخرين من ديانات أخرى به. وكذلك النّشء الصّاعد، فهو “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (البقرة: 185).
وقال الرّسول صلى الله عليه وسلم: “مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ‏”‏ (البخاري: 2/31: 1901).
وبشّر الرّسول صلى الله عليه وسلم كذلك بقدومه فقال: “أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ” (النسائي: 2106).
ثانيًا: علينا كمسلمين مؤمنين التّخطيط للصّوم الحقيقي، والاستفادة منه قدر الإمكان دينيًّا وصحيًّا، فيُخطّط لبرنامج صلة الأرحام في الشّهر الفضيل، وإصلاح الأحوال معهنّ إن كان على غير الوجه الصّحيح، كما يُخطّط للازدياد من الطّاعات والنّيّة على الإكثار منها، ومن ضمن ذلك كل أعمال الخير والبر، والتّطوع، وخاصّة الإقبال على القرآن وقراءته وختمه.
ثالثا: التّوبة ويقصد بذلك إعلان التّوبة النّصوح في بداية شهر رمضان، إن لم يكن المسلم قد بادر لها قبل ذلك فهذه فرصة طيّبة مباركة، وأن تكون هذه التّوبة صادقة نابعة من القلب، وفيها نيّة الاستمرار والإكثار من أعمال الخير حتّى بعد رمضان. أمّا أهميّة عقد النّيّة فلأنّ الأعمال بالنّيّات كما قال صلى الله عليه وسلم: “إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ وإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَو امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ” (البخاري: 6/1: 1).
ومن التّوبة، أيضًا، تصحيح الخطأ، إن وجد، والرّجوع عنه وعن كلّ ذنب آخر، والعزم على عدم الرّجوع إليه حتّى تكون صفحة المسلم، بيضاء نقيّة.
رابعًا: الدّعاء ويقصد به التّوسل، والتّضرع لله تعالى أن يعين المسلم المؤمن الصّائم على صيام رمضان صومًا حقيقيًّا، ومطابقًا لمتطلبات الدّين والشّرع الحنيف. وكذلك فالدّعاء يحفظ الصّحة وتمامها، كما يكون الدّعاء فيه تركيز على الإعانة على الطّاعات، والإكثار منها كقيام الليل، وقراءة القرآن وكثرة الاستغفار.
خامسًا: الحمد والشّكر؛ لأنّ الشّكر يحفظ النعم، فالله تعالى يقول في محكم التّنزيل: “وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ” (ابراهيم: 7(“.
فالنّعم الكثيرة في رمضان ستنتهي ظاهريًّا بانتهائه، ولكن حفظها وزيادتها هو أن يبلغ الله المسلم رمضان القادم. فالصّحابة رضوان الله عليهم كانوا يودّعون رمضان ستّة أشهر، ويستقبلونه ستّة أخرى. ومن الأدعية المأثورة عن السّلف قولهم: “اللهم بلغنا رمضان، ونحن بخير وصحة، وعافية، وإسلام وإيمان، لا فاقدين ولا مفقودين. اللهم ارزقنا نيّة صيامه، وقيامه، والتّقرب اليك.
وكذلك الشكر على النّعم الأخرى كمحو السّيئات، ومضاعفة الحسنات، ونعمة ليلة القدر التي تعادل ألف شهر وفيها الخير الكثير.
سادسًا: التهيئة النّفسيّة لمن ينوي الصّيام والعمل على تحقيقها، والعزم على الصّيام، فالله تعالى يقول: “إِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ” (محمّد: 21).
ومعرفة أنّ الصّوم الحقيقي يعني الابتعاد عن مضيعة الوقت، وعن أخطار التلفاز، والهواتف الذّكيّة، وشبكات الانترنت والتّواصل الاجتماعي، ورفاق السّوء وأن تكون النّيّة صادقة خالصة في ذلك.
ويسن كذلك تهيئة الأجواء الرّمضانيّة والتّحضير لفعاليّات دينيّة اجتماعيّة، وتوزيع مناشير دينيّة تعريفيّة.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.




%d مدونون معجبون بهذه: