لا يوجد شخص مستضعف بل هناك شخص يجهل مواطن قوّته

ميسم خالدي
“ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟!”
سؤال كلاسيكي جدًا، والجواب رغم أنّه يختلف من شخص لآخر، إلا أنّه كلاسيكي أيضًا، فغالبًا ما يُجيب الطفل بجواب ذي طابع إيجابيّ، يدلّ على مهنة أو إبداع في علم.
فمَن منّا سمع مرّةً طفلًا يُجيب على هذا السؤال قائلًا : “أنا أحلم أن أكون قاتلًا أو مجرمًا؟!”
كأنّ هذا النموذج يدلّ على أنّ حلم كلّ منا أن يعيش في مجتمع آمن ومنظّم، خالٍ من الفوضويّة وعدم النّظام، فكلّ شخص له وظيفة تهدف لخدمة المجتمع بشكل إيجابيّ.
لكن في الحقيقة، عندما فكّرت في الواقع وما يحدث بمجتمعنا هذه الأيام، فإنّ الصورة لم تكن مرتّبة وواضحة كما الحلم!!
بل تراءت في ذهني أوضاع كثيرة، أوضاع وأفكار على شكل صور: حادث طرق هنا، وقتل شاب هناك، لا أخفي عليكم فقد تسارعت الأفكار والصّور المأسوف عليها، لتملأ مخيّلتي وتثير إحساسي بالأسف والتعب!
نعم! أرهقتنا الأخبار اليوميّة عن العنف والقتل والسّرقة وانتهاك الحُرمات. أوضاع تشحن العقل بالأفكار السلبيّة والمحبِطة والمخيفة، تملأ القلب بمشاعر صعبة من استسلام ولوم وعجز وأسف.
هذا وضع مجتمعنا العربي المجروح، ويبقى السّؤال المحيّر : لماذا؟؟
نحن الأقلية العربيّة في هذه الدّولة اليهوديّة، أو كما يُطلَق علينا (عرب ال48) أو عرب الداخل أو فلسطينيو الداخل، ومصطلحات أخرى تعبّر عن هويّة مركّبة، في حالة دائمة من البحث عن انتماء، في ظلّ تخبّطات ما بين الأفراد والجماعة.
أمّا نحن البدو، فلسنا أوفر حظًا من مجتمعنا العربيّ الحبيب، فنحن أقليّة الأقليّة العربيّة، وأصغر أقليّة عربيّة في هذه الدّولة، وتساؤلاتنا حول انتمائنا السياسيّ الاجتماعيّ والفكريّ ليست أقلّ تعقيدًا، بل على العكس، هنالك حالات حين أحاول استيعابها، يخونني المنطق ويأبى أن يحول بين ما تسمعه أذني ويستوعبه عقلي ويشعر به قلبي، فأتساءل كيف للأقليّة الوحيدة التي لديها قرى غير معترف بها (حوالي 40 قرية)، وتُهدم بيوتها، تخدم في الجيش ذاته الذي يهدم البيوت وينهب الأراضي ويسلب شرف الأرض وكرامة الإنسان؟؟
هل الخدمة لاسترجاع القوّة المفقودة؟ أم لمصلحة شخصية؟ أم للقمة عيش أصبح توفيرها صعبًا بطعم المرارة؟!
حتى نظريات علم النفس لزيجموند فرويد وملاني كلاين، التي تهدف لتحليل مبنى النفس البشريّة، التي تلقّيتها في الجامعة، لم تساعدني إلى أن أشير إلى تحليل أكثر دقّةً وصوابًا من الآخَر ،ولا يسعني إلا أن أقول: إنّ الأهمّ ليس التحليل إنّما التّذكير ، التّذكير بأنّك تُسحق لأنّك من أقليّة الأقليّة المضطهَدة اختيار ، وأن تتميز وتنجح لأنّك من صلب الأقليّة اختيار!! وشتّان ما بين الاختيارين!!
لك أن تختار أن تلعن أباك وأمك، لأنّهما ليسا من أصول سويسريّة عريقة، تفرش لك الورود لمستقبلك المزدهر، أو أن تقدر وتشعر بقيمة أصالتك وعروقك، وتفتخر بلون بشرتك الحنطيّة التي ترمز للشموخ.
ستتميّز حين تخاطب نفسك وتقول: أنا فخور بنفسي كما أنا، فخور بأصولي، بعِرقي، بلوني، بمستقبلي الذي سأبنيه بتعبي وجهدي، أفتخر بلغتي ولهجتي، أفتخر بخيمتي التي لم تعد تُبنى، وبجملي الذي أصبح على هيئة هيكل حديد ودواليب.
– ستتميّز حين تختار أن تسامح وتتقبّل المختلف، وتمتنع عن مضايقة كل مختلف عنك.
– ستتميّز حين ترفض العنف وتشجّع الحوار والنّقاش.
– ستتميّز حين تنهض وتأخذ حقّك بيدك، ولا تنتظر أن يُعطى لك.
– ستتميّز حين تُمسي ذلك الطالب الذي ينصت لمعلّمه احترامًا له، وليس لأنّك تبحر في حساب الفيسبوك.
– ستتميّز حين تختار أن تكون حدّادًا متقنًا يضرب الحديد ليصقله، بدل أن يضرب رأس جاره بالحديد، لأنّ له رأيًا مغايرًا، وحينها فقط ستتميز.
– ستتميّز حين تختار أن تكون الطبيب المداوي للمريض، بدل أن تكون أنت السبب في جرح شخص أغضبك حين اصطفّ في موقف السّيارة قبلك بثوانٍ.
– ستتميّزين حين تُدركين أنّ التّعليم العالي والثّقافة وإثبات الذّات ليس نقيضًا للأمومة، بل هو المكمّل لها.
– ستتميّزين عندما تقتنعين باختيارك أن تكوني ربّة بيت، فبهذا أنت تملكين أكبر وأشرف وظيفة، ألَا وهي العطاء، فالأمومة عطاء، وأن تكوني أختًا عطاء، وأن تكوني بنتًا عطاء، فأنت أنثى رمز للحبّ والعطاء.
– ستتميّزين حين تحدّثين نفسَكِ بقناعة: “لأنّني متعلّمة وامرأة عاملة، سأكون ناشطة وفعّالة في المجتمع، وسأستثمر ثقافتي وعلمي في أخي وجارتي وصديقتي وأختي قبل أن أستثمره في نطاق العمل”.
– ستتميّز حين تصبح ذلك الشيخ المُسنّ الذي يُعطي ويتطوّع ويعمل الخير، حتّى آخر يوم من عمره، بدل أن ينتظر ملك الموت ويتحسّر على شبابه المهدور.
وعندما تتميز وتتميّزين، حينها فقط سنكبر نحن ويكبر واقعُنا الذي حلمنا به في الصغر.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.