خيركم خيركم لأهله- بقلم : ميسم خالدي

ميسم خالدي 
كان اسمه «وجهان» وذلك ليس بصدفة، كان شابًا يانعًا، اجتمع يوم ما مع اصدقائه ليلعبوا كرة القدم، وجدوا بوابة الملعب مقفلة، ولهفتهم للّعب بأسرع وقت منعتهم من الانتظار، فكسروا البوابة وبدأوا باللعب، حين انتهت المباراة قاد سيارته بسرعة كالبرق، أوقف السيارة في مكان ما يُدعى «منتصف الطريق»، نزل مهرولًا متجهًا إلى شقته التي في الطابق العاشر، وجد أُناسًا كثُرًا ينتظرون المصعد، لم يأبه بهم ولم يحترم أوقاتهم التي طالت وهم ينتظرون، وصل بطلُنا المصعد ودخل بسرعة كي لا يسبقه أحد، صرخت عجوز وشتمته امرأة لوقاحته وأنانيته، ولكنه لم يكترث!
صعد إلى شقته فوجد أمّه تنظف البيت، فدخل بنعليه دون أن يأبه لتعبها وجهدها المتواصل، رمى سيجارته ودخل لينام، لحق به أخوه ابن الستة أعوام وطلب منه المساعدة في الدروس، فصرخ به مدّعيًا الإرهاق والتعب، مضيفًا أنّ الحياة في البيت لا تطاق، لا أحد يكترث لرغباته واحتياجاته، ولا أحد يساعده لتحقيق ذاته، فالكل مشغول بنفسه!!
حزن الاخ وأدمعت الأم، أما هو فغفا ونام!
استفاق بعد بضع ساعات في نشاط، تناول طعامه ونزل مسرعًا، وقاد سيّارته قاصدًا بيت مديره الواقع في بلدة أخرى، تختلف عن بلدته من حيث الأصل والفصل، وهناك انقلب رأسًا على عقب، فقد اهتمّ أن يوقف السيارة في الموقف المخصص، دخل فوجد أناسًا كثر في انتظار المصعد، فانتظر دقائق طويلة حتى أتى دوره، خرج من المصعد ورسم على شفتيه ابتسامة عريضة ودق جرس الباب ففتحت له زوجة المدير، خلع حذاءه دون أن يُطلب منه ذلك ودخل بشوشًا لطيفًا!
فَلْتَقِفْ لحظة عن القراءة وفكر ما شعورك نحو هذا الشاب؟
استغراب! اشمئزاز! غضب! نفور! لديك رغبة أن تلقّنه درسًا؟
أتعلم من هو هذا الرجل؟ إنّه يمثّل فئة لا بأس بها من مجتمعنا، إنّه يمثّل المواطن العربي الذي يتصرف بازدواجيّة! ازدواجيّة في الشخصية والتصرف، فحين يدخل بلدته العربية يرمي القمامة في الشارع، ولا يتبع قوانين السير ولا يحترم النظام، ولا يقدّر تعب أهل بلدته وجهودهم، وهو الشخص ذاته الذي يقود السيارة في تل أبيب حسب قوانين السير ويحافظ على النظافة وعلى الممتلكات العامة، أما عند مدخل بلدته فيفكّ حزام الأمان، ويخرّب الممتلكات العامة!
هو من ينتظر دوره في بريد «الكريوت»، وعندما يكون الدّور في بلدته يدخل «دون إحّم أو دستور!»
موجع هذا الموقف! مؤلم أن تخرج اسوأ ما فيك لأهلك وتخرج أجمل ما فيك للغرباء!
مؤلم أن تتجمّل أمام الغريب، وتشوّه صورتك أمام المقرّبين!
مؤلم أن تهدي بلدًا غريبة المحبة والورود، وتهدي بلدتك التي ترعرعتَ فيها الأشواك وعدم المبالاة!
إنّ أحد الأسباب الأساسيّة لوجود هذه الظاهرة هو فقدان الشعور بالانتماء!
حسب علم النفس والاجتماع يُعتبر الشعور بالانتماء من الحاجات الأساسية التي يتشكّل منها بناء نفس الانسان، وهو شعور مؤثّر ومهمّ في تقدير الإنسان لنفسه، فمن خلال هذا الشعور يحدّد الفرد قيمته لدى المجتمع، وكذلك يستشعر قيمة المجتمع في حسّه، بالإضافة إلى ذلك، الشعور بالانتماء حاجة ضرورية، حيث أنها تشعر الفرد بالروابط المشتركة بينه وبين أفراد مجتمعه، وهذه الروابط تقوّي شعوره بالانتماء للبلد الذي ترعرع فيه، كما أنّ المشاركة لإنسان في بناء مجتمعه أو بلده تشعره بجماله وبقيمته كفرد.
أمّا الشعور بعدم الانتماء فهو غربة حقيقية يعيشها البعض، وتحبط همّتهم في تقديم الإنجازات المتوقّعة منهم أمام أنفسهم وأمام الآخرين، وتزعزع الشعور بالأمان، وتقوّي التخبّطات والصراعات النفسية.
هنالك أشكال عدّة للانتماء، وهي في الأساس حلقات متتابعة ومتواصلة يمرّ بها الإنسان في سيرورة حياته، ومن خلالها يتبلور الانتماء كقيمة أخلاقية ومقياس، توجّه سلوك وتصرف الإنسان، وتضمن له مستوى صحيّ من التوازن بين واجباته وحقوقه.
نتفاجأ أحيانًا من أشخاص متواجدين داخل نطاق ما، ولا يشعرون بالانتماء له، وفي الحقيقة إنّ مجرد تواجد هذا الشخص في هذا النطاق لا يعني بالضرورة الشعور بالانتماء له، حيث أنّ تغذية الشعور بالانتماء تأتي من عدم تهميش الفرد، والاعتراف بدوره مهما كان ضحلًا، وتوفير الشعور للفرد بأنّه ينتمي لشيء أكبر من نفسه، ويتمّ ذلك من خلال التعاون والاشتراك والتشديد على الناحية الإيجابيّة لدى الفرد.
الانتماء هو من أهمّ الأساسات لبناء أسرة متماسكة، ومن ثمّ مجموعة، ومن ثم مجتمع بأكمله.
إنّ وجود هذا الشعور يعمّق الإحساس بالمسؤوليّة و القيمة الشخصيّة والاستقرار ، وحين يكون الإنسان منتميًا لنفسه، يسهّل ذلك انتماءه لأسرته وبلدته ومجتمعه.
يُقال إنّ حبّ الوطن من الأمور الفطريّة التي جُبل الإنسان عليها، والبيئة دورها أن تعزّز هذا الشعور أو تحبطه، والوطن هنا هي القرية والبلد التي ترعرعتَ فيها، فليس غريبًا أن يحبّ الإنسان بلده الذي نشأ على أرضه وشبّ على ترابه وترعرع بين أزقته، وليس غريبًا أن يشعر الإنسان بالحنين والشّوق إلى بلده عندما يغادره إلى مكان آخر.
فكم منا سافر واغترب ليوم ويومين وأشهر وسنين، وسافرت معه في طيّات نفسه روح البلد الذي هو الوطن والأهل؟ البلد هو روح ودم، تراب وجذور، تين وزيتون، ماضٍ وحاضر ومستقبل، أخذ وعطاء، حقوق وواجبات. البلد هو أنت والوطن هو أنت، فلتحافظ عليه!

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.




%d مدونون معجبون بهذه: