زيتونتي فلسطينية الهوية ! -بقلم الدكتور سمير خطيب

إزرع يا ولدي
فانا لا أنسى من زرعني
منك الماء والفضاء ومني البقاء…
إزرعني لتأكل بعدك الاجيال زيتوني وتنعم بزيتي..
إزرعني فانا المُعمرة الباقية وعمري ..نسيت عمري ..إنه منذ أن بدأ الانسان يزرع.
إزرع يا ولدي
من أنا لأقول لكم ما أقول لكم ؟ ومن أنا لأعلم اللاجىء الاشتياق والحنين
إنه يشتاق لي وأنا له
إنه يحبني وأنا كذلك
إنه يذكرني قبل الأرض والبيت فأنا الأرض والبيت معا :
“الزيتونة اشتاقت للي زرعوها
وزيتات الموني منها اخذوها
عودوا بجاه الله، عودوا شوفوها
الأوراق اصفرت، ذبلت الغصونا
شعبي للوطن قدّم هدية
روحه العزيزة لأجل القضية
ولا يمكن يرضى بالصهيونية
ع تراب بلادي أرض الزيتونا”
إزرع يا ولدي
زيتونة فلسطينية
فانا مثلك قاومت وسأقاوم
كيف لا !! وهويتي فلسطينية ،
وصرت رمز الصمود والبقاء
وشريكة في المعاناة والمقاومة، وأتعرض لعقوبة الإعدام والقتل بالحرق، والقص والإزالة تماما كالإنسان الفلسطيني.
إنهم يكرهونني يا ولدي ويتهمونني بالإرهاب مع أني لم اؤذي أحدا , ولم أطلق النار على الجنود والمستعمرين الصهاينة ولم أستولي على اراضيهم وممتلكاتهم كي أتعرض لمثل هذه المجزرة المفتوحة…!!-
إزرع يا ولدي
ماذا أعمل ؟ وعمري أطول من عمر الصهاينة أنفسهم، وولدت وولد أجدادي وعاشوا قبل أن يصل اول صهيوني هنا ..
ولما عرفوا أني أقوى منهم وأطول عمرا منهم وشاهدة على سرقتهم ، حاولوا كعادتهم أن ينسبوني اليهم فصاروا يزرعوني في مدنهم كي أصير جزءًا منهم ومن تاريخهم , تمامًا كما فعلوا مع الزعتر إذ صاروا يضيفوه لطعامهم حتى أنهم سرقوا صحن الحمص وسموه أكلهم “الاسرائيلي’ , لكن لا تقلق فأنا مثل ما قال محمود درويش عني :
“سيدة السفوح المحتشمة .بظلها تغطي
ساقها ،ولا تخلع أوراقها أمام عاصفة.”
إزرع يا ولدي
فأنا أحبكم وأحب اطفالكم
فأنتم من زرعتم حبي بين الاطفال
وكم يفرحني وأنا اسمعهم يغنون :
“إمي راحت تتسوق وأختي بتخبز في الطابون
وستي عملتلي عجة قليتها بزيت الزيتون
قالت لي طعمي صحابك لا تنس تدفي حالك
قُلتلها شكرًا كثير عَ العجة وزيت الزيتون”
واحيانا أرقص وأبكي فرحا ولكنكم لا تلاحظوا ذلك .
إزرع يا ولدي
فانا أعطيكم النفط الاخضر
وأمونكم وأطعمكم وأشفيكم وأحميكم وأدفئكم بحطبي وأظللكم باوراقي الخضراء
وأحافظ على الارض…
من عَكَر زيتي تصنعون الصابون الذي ينظفكم،
ومن جِفتي تعمرون طوابينكم وإذا لم يعد عندكم طوابين جربوه في مواقد التدفئة واشعروا بحرارته،
ومن ساقي وجذوعي تصنعوا هداياكم التذكارية الخالدة.
إزرع يا ولدي
فأنا رمز السلام وأنا رمز الأمان بعد أن أحضرتني الحمامة لنوح
أنا رمز النصر ومن أوراقي تصنعوا تيجانا للفائزين الناجحين..
وأنا الشعلة الاولومبية الاولى
وتذكر يا ولدي الأسطورة اليونانية التي تقول , أنه بعد معركة ترموبيل التي دخلت على إثرها قوات الفرس إلى أثينا وأحرقتها، وجد الأثينيون مدينتهم أنقاضًا، لكن شجرة الزيتون بقيت رغم الحرائق، وأثمرت براعم خضراء هدّأت غضبهم وخففت حسرتهم. لأنها لم تنسى زارعها وراعيها .
إزرع يا ولدي
ولا تخف علي من الحداثة
فقد تعلمت التعامل مع الماكنات الحديثة في العصر بدل “البد”.
ومع الماكنات في القطف بدل “التحليب”
ومع الماكنات في عزل حباتي عن اوراقي بدل “التذراة”
ولكني أصدقك القول فلدي حنين لحديث القيل والقال عند “الحواش ” و”الطوشة” على السلم و “نَقْف” حباتي على رؤوس العاملين”بالغلط” .
أشتاق لرائحة مقلى البندورة والبطاطا والبيض عندما تُحضروا زادكم اثناء القطيف..
أشتاق لجمعتكم تحتي ومؤازرتكم لبعضكم عندما تنهون كَرْمَكم ….آه كم اشتاق ل”العونة” والتعاون بين بعضكم.
إزرع يا ولدي
لكن لا تنسى
أن السنوات … سنة ماسية وسنة “شتلونة” أي سنة لك وسنة لي فمن حقي أن أرتاح…
ولأني أحبكم ففي سنة الشتلونة أنا لا أنساك وأعطيك ما يكفبك من زيت وزيتون لا أكثر، كي تتعلم الاقتصاد والحفاظ علي وعلى زيتي..
وتذكر مَثَل جدتك أن زيتي “من الشجر للحجر”.
لا تتوانى في عصري
لأن زيتي حساسٌ إذا اهملتموه من القطف للعصر فقد يتغير طعمه ولونه ورائحته
فأنا الاصالة فحافظوا علي…
«زيت البري طيب بس لقاطه بشيب»
إزرع يا ولدي
فأنا وطنٌ وموطنّ ، ورمزٌ للسلام والحياة والمقاومة المستمرة في الأرض المغتصبة.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.