محمد سواعد- ابن الحميرة
تعيش الأقليات في العالم قديما وحديثا ظروف قهر واستبداد وتسلط من الأكثرية الحاكمة في البلاد، ويختلف هذا الظلم باختلاف واقع البلاد وظروفها والتربية التي تحكم اصحاب السلطة وموجهيها، وقد تعيش الأقليات في بعض البلاد في امن ورخاء حسب واقع البلد وتوجهاته ومدى قبوله للآخر وعدم تخوفه منه.
ومن الأقليات التي عرفها العالم الأقلية العربية الفلسطينية في داخل فلسطين والتي اجبرتها الظروف المحلية والإقليمية ان تصبح اقلية في وطنها بعد نكبة عام 1948 وتعمقت بعد نكبة عام 1967، هذه الأقلية التي عانت الأمرّين من مجازر عام 1948 و1956 وغيرها من المجازر التي راح ضحيتها الاف الضحايا، والاصعب من ذلك والانكى هو تلك المجازر اليومية التي تعيشها هذه الأقلية من سلب للحقوق وهدم للإنسان والأرض والقوانين العنصرية التي أصبحت شعار المزايدة بين الأحزاب اليهودية لكسب أصوات ناخبيها، ولعل اصعب ما تعانيه الاقلية العربية هو الاحتراب الداخلي الذي يهدم بنيانها ويقوض أركانها ويجعلها في مهب الريح ” ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم”.
ترتفع أصوات في الداخل الفلسطيني تبحث عن خلاص لهذه الأقلية من ازماتها الجمعية التراكمية منذ عقود من الزمن، ولكن الامر المؤسف اننا مع كل ازمة جديدة نكتشف عمق الهاوية والقاع الذي نتحرك داخله بجهلنا وتخبطنا وسوء ادارتنا لازماتنا التي نعاني منها، ويزداد الألم والبكاء والانين.
نعم نحن نعيش في ظل واقع مركب معقد، وللخلاص من ازماتنا لا بد لنا أولا ان نعرف ماذا نريد من انفسنا؟ والى اين نريد ان نصل بمجتمعنا في ظل هذه الظروف؟ ونحدد طبيعة علاقتنا مع الاكثرية التي تحكم البلاد، وما هي الضوابط والقيود التي ينبغي ان تحكم وتوجه هذه العلاقات.

في العالم اليوم تعيش أقليات عرقية ودينية كثيرة ولكل واحد منها قصة ألم ومأساة تشريد وقتل واضطهاد وما قضية الهنود الحمر في أمريكا عن التاريخ ببعيد، ولكن اسلوب كل اقلية في التعامل مع قضاياها يختلف ومعالجة ازماتها يختلف كذلك، فمنها من اختار النضال المسلح والقتال مع الأكثرية ومنها من عاش في بلاده بعيدا عن السلطة والتأثير واختار السكون والسلامة مثل سكان قارة استراليا الأصليين الذين يعيشون اليوم في أماكن نائية بعيدة عن الأنظار.
ولكن النموذج الارقى للأقليات هي تلك التي تكيف نفسها مع الظروف والمستجدات وتتعايش مع الواقع الجديد وتفرض نفسها وارادتها على الأكثرية ليس بقوة السلاح، وانما بقوة المنطق والحجة والإرادة الواعية البناءة.
نعم نحن الأقلية العربية في ارضنا نستطيع ان نكون تلك الضحية ال”مفترسة” التي عانت ما عانت ولاقت من البؤس ما لاقت وقدمت التضحيات الكبيرة على مذبح نضالها في وجه السلطة على مدار سنوات طوال.
تميّز الأقلية في علومها ووعيها ومعرفتها يجبر الاكثرية الحاكمة على الاعتراف بها واعطائها المكانة اللائقة بها وعدم تجاهلها، عندما يكون لدى الأقلية افضل المهندسين في كل المجالات، وافضل الأطباء المختصين في كل العلوم، افضل وارقى المدرسين، عندما يتميز ابناؤنا في كل موقع يصلون اليه عندها فقط نتبوأ المكان اللائق بنا ونسمع كلمتنا الى العالم اجمع، اما مجرد الصياح والعويل والندب فلن يجدي شيئا ولن يقدم علاجا ولا دواء.
لا اجد نفسي مبالغا اذا قلت ان الأقلية العربية في البلاد تملك اليوم من الكفاءات والإمكانات العلمية والقيادية ما يؤهلها لقيادة أمم الأرض جميعا، وذلك بما تعلمناه من دروس قاسية مرت على اجسادنا بدون تنظير ولا مزايدات حتى تعلمنا وعرفنا طريقنا ووجهتنا.
مجتمعنا العربي الفلسطيني يزخر اليوم بعدد كبير من المختصين في كافة العلوم الإنسانية المعاصرة ونجد ابناءنا واخواننا في كل ميادين العلم والعمل والعطاء، وكثير منهم من قدمته مؤهلاته وشهاداته الى ارقى المناصب في مكان عمله، بل ومن شبابنا اليوم من يعمل مستشارا وموجها خارج البلاد لشركات رائدة على مستوى العالم اجمع، فكلما تقدمنا في علمنا ومعرفتنا كلما ارتفع مقدارنا وتمكننا من فرض روايتنا على العالم كله، فالعالم لا يسمع الا للاقوياء ونحن قوتنا بعلمنا ومعرفتنا وارادتنا التي لا تعرف المستحيل، وعندها لن نكون نحن العرب ضحية وادعة تقاد الى المذبح راضية مستسلمة بل “سنفترس” العالم كله بما نملك من علم ومعرفة.