الثقة والوهم – بقلم : محمد سواعد- ابن الحميرة

من أعظم الصفات التي يتحلى بها القائد هو الثقة في نفسه والتي يستمدها من إيمانه بربه سبحانه، هذه الثقة التي تجعل القائد يمتلك القلوب والعقول بحسن توجيهه للناس الى خير دينهم ودنياهم واستشراف المستقبل الواعد النير للمجتمع، وفي مقابل ذلك يقف المنتفعون الذين يعملون على تسويق أنفسهم من خلال بيع الوهم ونشره في المجتمع، ولا يرعوون عن الكذب والتدليس ليظهروا أنفسهم أنهم الحريصون على دين الناس وأمنهم ودنياهم.

كان النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للناس في الثقة بالله تعالى ووعده ولم يفتأ يبشر الناس بمستقبل مشرق ونير لهذا الدين رغم كل المصاعب والعثرات التي مروا بها، وقد صدّق الصحابة ذلك لما رأوه وخبروه من سيرة حبيبهم صلى الله عليه سلم فهو لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى.

كان صلى الله عليه وسلم أثبت الناس في المواقف والنوازل وكان يبشر الناس بالفرج والسعة رغم الضيق الذي يعيشونه، فعن عدي بن حاتم قال: بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال يا عدي هل رأيت الحيرة قلت لم أرها وقد أنبئت عنها قال: فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله. قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار طيء الذين قد سعروا البلاد ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى قلت كسرى بن هرمز قال كسرى بن هرمز ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه، قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم يخرج ملء كفه ولا يجد من يقبله ؛ فانطر الى هذه الثقة العظيمة التي ملأت قلب النبي صلى الله عليه وهو يبشر أصحابه بالفرج واليسر بعد الضيق والمحن، وهذا أبو بكر يأتيه أناس من قريش فيقولون يا أبا بكر عن صاحبك يزعم أنه أسري به في ليلة واحدة من مكة الى بيت المقدس ثم عرج به الى السماء، فقال أبو بكر بلا تردد: ان كان قالها فقد صدق.

فأي ثقة ملأت هذه القلوب؛ سواء قلب النبي الذي يبث البشارات أو قلوب أصحابه الذين صدقوا كل كلمة قالها بلا تردد ولا نقاش، إن السبب في ذلك يرجع إلى المصداقية المتراكمة لدى هؤلاء الناس والتي خبروها، وتراكمت لديهم من معرفتهم وعلاقتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسعى الى بث الأمن والطمأنينة في نفوس أصحابه ويعدهم لمرحلة الاستخلاف والسيادة وملك الأرض.

بينما نجد قائدا مثل فرعون لما أدرك المخاطر التي تحيق به وبملكه راح يبيع الناس الأوهام ويشيع فيهم أنه هو الحريص على دينهم ودنياهم وأنه أعلم بما يصلحهم وينفعهم فكان أول ما قاله لقومه: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) غافر 26، فهو يريد ان يقتل موسى خوفا على منصبه ورئاسته ولكنه أراد ان يشرعن ذلك فقال للناس اني أخاف ان يبدل دينكم او يظهر في الأرض الفساد، فكيف لنبي ان يبدل دينا او يظهر فسادا في الأرض، ولكنه بيع الوهم الذي يريد من خلاله ان يفرض سلطانه على الناس، ولما ايقن السحرة والناس صدق موسى عليه السلام فخروا سجدا وأمنوا برب موسى وهارون فكان رد فرعون (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)، الأعراف 123. فهو يريد ان يبين لقومه حرصه عليهم ومعرفته بما يصلحهم.

ان دور الامة الإسلامية ان ترسل للبشرية جمعاء رسائل الثقة بوعد الله تعالى وفرجه وهذه الرسائل مستمدة من الآيات والأحاديث النبوية الشريفة لتكون الأمة هي المرجع للبشرية في أزماتها المختلفة التي تتقلب معها من حال إلى حال، ولتكون الامة بديلا صادقا لأولئك الذين يسوقون للبشرية أوهاما ليبيعوها في سوق النخاسة.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.