محمد سواعد- الحميرة
لو تأملنا في واقعنا المعاصر وسيرورة تناول القضايا الاجتماعية والسياسية المحلية والإقليمية والدولية يمكن ان نرى كما هائلا من الجدل العقيم والتناوش في تحليلات ليس لها من أصول العلم والمعرفة شيئا، والادهى من ذلك ام بعض هذه الجدالات تفضي في أحيان كثيرة الى فتح سجلات الماضي والبحث في الدفاتر العتيقة كما يقال في عرف التجار: “ان التاجر اذا افلس راح يبحث في دفاتره العتيقة”، واذا لم نجد لبعضنا تاريخا اسودا ندمغهم به رحنا نفتري ونكذب ونستخرج من خيالات عقولنا ما يندي له الجبين وتستحيي منه العقول والقلوب والفطر السليمة.
والادهى والأمر في كثير من الأحيان اننا نحمل هذه التجاذبات معنا أينما كنا وحللنا وننسى ان لكل حدث او تصرف وقت ينتهي به فالكلمة قد تقال في ساعة وتكون مناسبة لذلك الحدث ولكنها لا تناسب كل حدث ولو كان مشابها، ولربما يكبر الامر الى بناء مواقف وتصرفات بناء على هذه المواقف، ومن جميل ما يروى ان عالما كان يمشي مع تلميذه بجانب النهر ويحدثه عن حرمة مصافحة النساء وفجأة رأوا امرأة تشرف على الغرق فقفز العالم الى النهر وانقذها فقال له التلميذ يا سيدي منذ الصباح وانت تحدثني عن حرمة لمس النساء او مصافحتهن، فرد الشيخ: يا بني انا انقذتها من الغرق ورميتها على الشاطئ فلم تبقى انت تحملها.
كثير من الجدالات والمواقف في الحياة ربما تكون مناسبة للحدث او الظرف الزماني والمكاني فما الذي يدفعنا الى حملها واسقاطها على حياتنا كلها، فلو فرضنا ان ساعة جدل في موضوع ما فإنها كثرا ما تكلفنا ضياع ساعات في قيل وقال او جلسات اصلاح
كثير من الجدالات والمواقف في الحياة ربما تكون مناسبة للحدث او الظرف الزماني والمكاني فما الذي يدفعنا الى حملها واسقاطها على حياتنا كلها، فلو فرضنا ان ساعة جدل في موضوع ما فإنها كثرا ما تكلفنا ضياع ساعات في قيل وقال او جلسات اصلاح تمتد الى ساعات الفجر الأولى بلا نتيجة والفائدة تذكر، والاصعب من ذلك انها ربما تكلفنا عداوات ونزاعات قد يؤدي أحيانا الى الاعتداء على الاعراض والممتلكات وسفك الدماء؛ وكم من جدال بين شخصين في موقف ما انتهى بجريمة قتل او اطلاق نار وغيرها.
نحن قوم اعزنا الله بعقيدة تدفع وتدعو الى احترام المخالف ولو كان على غير الملة ونجد في القرآن حوارات مختلفة بين شخصيات متناقضة في الفكر والتوجه والرأي وانتهت باحترام كل طرف لراي الاخر.

بل نجد في القرآن حوارا بين الخالق سبحانه الذي خلق فسوى وابدع كل شيء خلقه، فالخالق يحاور مخلوقا هو ابليس الذي نذر نفسه لغواية البشر وإفسادهم ومع ذلك الله تعالى يمده ويمهله الى اجله المسمى.
ليس كل مخالف هو عدو وليس كل موافق هو صديق، فكم من مخالف خالفك الراي ولكن تبين في النهاية ان خلافه كان محض النصيحة وقمة الراي الذي لن تندم على اتباع طريقه وسنته.
الاختلاف في المواقف والتحليلات والقضايا هو من طبع البشر، ولكن ينغي الا يشعل خلاف الراي حروبا ومعارك تبدأ في عالم شبكات التواصل وتنتهي في السجون او المقابر والمستشفيات والمصحات النفسية، نعم ندعو الى توسيع الافاق والمدارك واستيعاب المخالف في الراي والفكر وقبول الاخر وان نجعل من هذا الاختلاف سبيلا الى بناء مجتمع متناغم مبني عل فسيفساء خلاقة من الآراء والأفكار التي تقدم عجلة الإنتاج والازدهار والتقدم في واقعنا ومستقبلنا ومستقبل اجيالنا.