الطلاق سلاح ذو حدين

الشيخ د.علي محمد سواعد
الحمد لله وكفى والصلاة على المصطفى . وبعد
قال تعالى ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) .
الطلاق في اللغة مأخوذ من الإطلاق وهو الإرسال والترك. تقول أطلقت الأسير إذا حللت قيده وأرسلته , وأطلقت السهم إذا قذفته.وأما في الاصطلاح الشرعي فهو حل الرابطة و إنهاء العلاقة الزوجية .
والطلاق معروف قديما. وقد يحمل مسميات وأشكالا مختلفة, ولكنه يُخرج نفس النتاج .وقد عرفته الشرائع السماوية والأرضية قديما. فمنهم المتساهل فيه ,ومنهم المتشدد .
أما الإسلام فقد جاء وسطا بين هذا وذاك . ابتداء من بناء الأسرة المتماسكة المتوافقة. إذ جعل الإسلام استقرار الحياة الزوجية غاية من الغايات التي يحرص عليها , معتبرا عقد الزواج قائما على الديمومة والتأبيد إلى أن تنتهي الحياة في هذه الدنيا. وليتسنى للزوجين أن يجعلا بيتهما مهدا يؤويان إليه وينعمان في ظلاله الوارفة ,وليتمكنا من تنشئة أولادهما تنشئة صالحة تقوم على المودة والتفاهم . ومن أجل هذا كانت الصلة بينهما من أقدس الصلات وأوثقها فقال سبحانه: ( وأخذن منكم ميثاقا غليظا).
وإذا كانت العلاقة بين الزوجين هكذا موثقة مؤكدة فانه لا ينبغي الإخلال بها ولا التهوين من شأنها,وعليه فإن فعل كل ما من شأنه أن يوهن من هذه الصلة,ويضعف قوتها فهو بغيض إلى الإسلام, لفوات المنافع وذهاب المصالح بين الزوجين , ولذا ورد في الأثر الضعيف السند الصحيح المعنى (أبغض الحلال إلى الله الطلاق ) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :» وهذا الحديث ليس بصحيح ، لكنَّ معناه صحيح أن الله تعالى يكره الطلاق ، ولكنه لم يحرمه على عباده للتوسعة لهم ، فإذا كان هناك سبب شرعي أو عادي للطلاق صار ذلك جائزاً». ويقول ابن سينا 🙁 ينبغي أن يكون إلى الفرقة سبيل ما وألا يسد ذلك من كل وجه لأن حسم أسباب التوصل إلى الفرقة بالكلية يقتضي وجوها من الضرر والخلل ) .ولهذا قال العلماء في حكم الطلاق أنه قد يكون واجبا , وقد يكون محرما , وقد يكون مباحا وقد يكون مندوبا إليه .talaq
هذا وقد رغب الإسلام في الإمساك على الزوجة وان كانت مكروهة من زوجها وأمر بالصبر عليها إبقاء للأسرة وحرصا على استمرارها قال تعالى ( وعاشروهن بالمعروف فان كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) .وان الزوجة المطيعة الموافقة فلا وجه لإيذائها بالفرقة مع عدم الحاجة إليه ,إلا أن يكون ضربا من البغي عليها . ومن هنا نرى أن الأصل في الطلاق – من المنظور الشرعي – هو الحظر , وإنما أبيح منه بقدر الحاجة .
وإن المتابع لواقع الناس اليوم والمطلع على وسائل الإعلام ,والزائر لأروقة المحاكم الشرعية ليجد كما هائلا من دعاوى الطلاق التي تنتظر البت فيها أمام تلكم المحاكم . والغريب أن الإحصائيات تشير إلى ارتفاع مضطرد في عدد الملفات المعروضة أمام هذه المحاكم, تحت عنوان الطلاق وتبعاته من الحضانة والنفقة وغيرها مما هو ذو علاقة بالموضوع .
ولو حاولنا تتبع أسباب هذه الدعاوى وطرق علاجها لوجدناها كثيرة , ولن نستطيع لها حصرا. إلا أنا نذكر شيئا منها على سبيل المثال وليس الحصر.
1. المصداقية : من المفترض أن يكون الزوجان متوافقان في الأفكار والمفاهيم وكذلك التطلعات ,و لهذا على كل منهما أن يتعرف على الآخر قبل الزواج . وما يحدث غالبا هو نوع من المخادعة والمراوغة والتمثيل يقوم بها كلاهما أو احدهما لتمويه الآخر , فإذا وقع الزواج انكشف الكثير من الحقائق الغامضة التي تجر مع الأيام إلى الفراق .
2. الجهل بالحقوق والواجبات : يفتقد مجتمعنا إلى كثير من التوعية للمقبلين على الزواج من الجنسين, فلا الشاب يعرف حق الزوجة ولا الزوجة تعي حق الزوج عليها . خاصة في ظل قوانين وضعية لا تقيم غالبا للأعراف والشرائع أي اعتبار . وعندها تختلط الأوراق وتتداخل الحقوق والوجبات .
3. سوء الخلق , وقلة الدين .
4. قلة الوعي وعدم استعمال السياسة الحكيمة .
5. تدخل الأهل في كل صغيرة وكبيرة , وفرض الوصاية على الزوجين .
6. عدم إتقان العلاقة الجنسية .يروى أن امرأة كانت مهملة في بيتها ,فقام زوجها بكتابة لوحة عليها عبارة ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) . فأخذت المرأة تلك اللوحة ووضعتها على سرير زوجها في غرفة نومهما!!!!
ولذا فإني أعتقد جازما أن التخفيف من ظاهرة الطلاق كامن في التوعية بماهية الحياة الزوجية وتربية الأبناء التربية الأسرية الصحيحة ,المعتمدة على أصول الدين وقواعده الربانية البينة الواضحة , تحت شعار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اظفر بذات الدين تربت يداك ) , وقوله : ( إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ).
والحمد لله
*الكاتب شيخ ، مربي ومحامي ودكتور في الشريعة 

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.